[right][size=16]إن السياسات المغربية المبلورة إلى حد الآن لامتصاص البطالة قد أبانت عن محدوديتها بل فشلها الذريع. و الغريب في الأمر أن كل الاجراءات المتخذة في إطار ما يسمى بخطة أو استراتيجية التصدي للبطالة بالمغرب تظل ذات طابع سياسي محض، أي أن المغرب أراد انطلاقا من اجراءات سياسية محضة التصدي لمعضلة ذات طابع اقتصادي و اجتماعي.
إن السياسة المغربية للتصدي للبطالة لا تستهدف خلق فرص شغل جديدة، و لكن ارتكزت على مفهوم تفعيل إمكانية التشغيل ( الشغالية) و هو مفهوم أنكلوساكسوني و عليه تنبني السياسة المغربية للتصدي لمعضلة البطالة من أجل تفعيل المعادلة بين عرض و طلب سوق الشغل كأي سوق في الاقتصاد الليبرالي.
علما أنه قبل ثمانينات القرن الماضي لم يكن المغرب بلدا ينتج العاطلين كما هو الحال اليوم، لاسيما الشباب منهم الحاملين للشهادات، خصوصا عندما أقفلت الإدارة المغربية صنبور ميزانية الدولة المخصصة للتوظيفات. و حتى الخدمة المدنية لم تعد تلبي كل طلبات الاستفادة منها. و بدا جليا عجز القطاع الخاص المغربي على امتصاص حتى جزء ضئيل من حاملي الشهادات التعليم الخاص. كما تأكد بجلاء أن طبيعة التكوين بالمغرب مازالت لا تستجيب لمتطلبات سوق الشغل. و هناك اجماع بهذا الخصوص .
و تُعتبر سياسة التقويم الهيكلي هي التي ، بشهادة الجميع، ساهمت في تفجير معضلة البطالة بالمغرب. فهذه السياسة بدأت بتقليص كبير جدا بخصوص التوظيفات في الإدارة العمومية(للإشارة تم إحداث 45 ألف وظيفة سنة 1982 مقابل 10 آلاف سنة 1986). و في سنة 1990 تم إحداث المجلس الوطني للشباب و المستقبل، و الذي برهن إحداثه، من حيث لا يدري القائمون على الأمور ببلادنا، عن غياب كلي و مطلق لسياسات عمومية بخصوص التشغيل، كما كشف بوضوح عن فوضى كبيرة ظلت تطبع آليات التشغيل و التوظيف بالمغرب و غياب أي تنسيق بين الجهات و المءسسات المعنية بالتشغيل إذ كل واحدة منها كانت تسير حسب القائمين عليها بدون حسيب و لا رقيب. و قد عقد الشباب المغربي آمالا كبيرة على هذا المجلس الذي كان على رأسه آنذاك الحبيب المالكي ( أستاذ الاقتصاد و الوزير الحالي للتعليم من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) الذي طالما لوح بعزمه و عزم المؤسسة القائم عليها على حل معضلة البطالة بالمغرب آنذاك. لكن كل التدابير المعتمدة انكسرت و بسرعة البرق على أرض الواقع. و تبين آنذاك أن معضلة البطالة بالمغرب أعمق و أعوص مما كان يتصوره الحبيب المالكي و مجلسه، إذ تأكد ، و بجلاء، أن خلق فرص التشغيل بالقوة أو عن طريق الفرض ليس في وسعه حل الإشكالية. و بذلك مشل مجلس الشباب و تم اقباره دون ضجيج بل و دون تقييم تجربته و إخبار الشعب المغربي عن التخلي عنه كأن الأمر لا يهمه و لا مدخل له فيه.
و كذلك الحال بالنسبة لكل المؤسسات المحدثة بعده للتصدي لمعصلة البطالة، و مع تناسل هذه الفشالات المتتالية، تقييم، تقييما جديا و مسؤولا، لأي فشل منها تعاظمت البطالة بالمغرب و استفحلت و وصلت إلى مستويات لم يسبق لها مثيل بالبلاد. و الغريب في الأمر، و هذا أمر لا يمكن أن يقبله عقل سليم، إذ لحد الآن لم يسبق للقائميم على الأمور ببلادنا أن فكروا و لو للحظة تناول إشكالية البطالة بالمغرب من زاوية تكييف مناهج التعليم و التكوين مع أدنى متطلبات سوق العمل رغم أنها قضية ظل يثيرها الكثيرون من المهتمين بهذا المجال و لم تكن هناك آذان صاغية لهم. و بذلك ظلت المناهج و التخصصات المعتمدة في المنظومة التعليمية المغربية، و لازالت إلى حدود كتابة هذه الورقة المتواضعة، مستمرة في إنتاج و إعادة إنتاج العاطلين و المعطلين. و هكذا أضحى المغرب يحتضن كل سنة آلاف حاملي الشهادات (باكالوريا و ليسانس و دكتوراه و شواهد معاهد...) كعاطلين معطلين يعيشون على هامش المجتمع. و بذلك أضحت ساحة البرلمان بالعاصمة، على بعد أمتار معدودة من القصر الملكي ، مشهورة في العالم بأسره باعتصاماتهم و تعريض أجسامهم للهراوات رجال الأمن الوطني أمام الملأ.
فهل الخطة الجديدة ، المبادرة الوطنية لتنمية الموارد البشرية ستسير في نفس النهج و المسار، و بالتالي فلن تنتج إلا ما أنتجته الخطط و المبادرات السابقة في مجال التصدي للبطالة لاسيما و أنه يبدو أن الححكومة لا تتوفر على رؤية واضحة المعالم و محددة المقاصد بخصوص التعامل مع إشكالية البطالة و التي من شأنها أن تشكل الإطار العام لتفعيل تلك المبادرة الجديدة. علما أن المبادرة نفسها، يبدو أنها لم تنطلق من لب المشكلة و إنما تبحث بالأساس عن التخفيف الظرفي من حدة المعضلة اعتبارا للأوضاع القاسية التي تجتاجزها البلاد.[/size]
[/right]